الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم
.رأي جديد جدير بالبحث والنظر: أألخير في الإبقاء على هذا الرسم في المصاحف، والأجزاء، والكتب المؤلفة لطلبة المدارس؛ والمعاهد، والجامعات غير الدينية وفي الصحف، والمجلات ونحوها، على ما في ذلك من التعسير على القراء، ولاسيما هؤلاء الطلاب، وعدم التيسير عليهم في قراءة القرآن! أم الخير في التزام الرسم العثماني، في المصاحف الكاملة، التي كتب فيها القرآن جميعه، والتي هي الحجة والمرجع عند الاختلاف والاحتكام، وكتابة القرآن فيما عدا هذه المصاحف من الكتب العلمية والأجزاء القرآنية، والمجلات، والصحف ونحوها على الرسم المعروف الآن وقبل الآن، والذي يتلقاه الطلاب والتلاميذ في مدارسهم ومعاهدهم! الذي يترجح عندي وأرى فيه الخير والمصلحة هو الثاني، وبذلك يتيسر على قارئ القرآن الذي لم يتلق القراءة عن شيخ ومعلم، قراءته وحفظه، ونكون قد جذبنا طلاب المدارس إلى القرآن، الذي هو مصدر الإيمان، والهدى والحق والخير، وفي الوقت نفسه حافظنا على الرسم العثماني في ملايين المصاحف المبثوثة في العالمين الإسلامي والعربي. ويمكن زيادة في التحوط عند كتابة القرآن في كتب العلم والدين والأجزاء، والمجلات ونحوها، أن ننبه في الهامش على الكلمات التي كتبت على حسب القواعد الإملائية، وأنها كتبت في المصاحف على رسم كذا، حتى يكون التلاميذ والطلاب على بينة من الأمر، ولا يقعوا في بلبلة وشكوك، وبذلك نكون جمعنا بين الحسنيين وحققنا المصلحتين. وهذا الرأي أشد توثيقا للمصاحف العثمانية، وأرعى لحاجات المسلمين، ومصلحتهم، وأخص من رأي الإمام العز بن عبد السلام؛ لأنه أجاز ذلك في المصاحف وغيرها، وأما أنا فقصرت جواز ذلك على غير المصاحف، واحتفظت للمصاحف بقدسيتها، وجلالها، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. .الشبه التي أثيرت حول كتابة القرآن ورسمه: وقد قيض الله لهذه الشبه من علماء المسلمين من زيفها وبين بطلانها، وسترى بعد إيرادنا هذه الشبه والرد عليها أنها سراب لا حقيقة له، وأنهم طعنوا في غير مطعن، وطاروا في غير مطار. .الشبهة الأولى وجوابها: والجواب: 1- إن هاتين الروايتين ضعيفتا الإسناد، وإن فيهما اضطرابا وانقطاعا يذهب بالثقة بهما، كما قال الإمام السخاوي في الرواية الثانية، ونقله الإمام الآلوسي في تفسيره، وعكرمة لم يسمع من عثمان أصلا وقد روي الأثر الثاني عن يحيى بن يعمر عن عثمان وهو أيضا لم يسمع من عثمان، وقد رد الرواية الأولى جماعة من العلماء كالإمام أبي بكر الباقلاني والحافظ أبي عمرو الداني وأبي القاسم الشاطبي والجعبري، وغيرهم، وغير خفي على المتأمل ما في الروايتين من اضطراب وتناقض، فإن قوله: أحسنتم وأجملتم مدح وثناء وقوله: إن فيه لحنا يشعر بالتقصير والتفريط، فكيف يصح في العقول أن يمدحهم على التقصير والتفريط! وأيضا فالغرض من كتابة المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه على حرف قريش أن تكون مرجعا عاما يرجع إليه المسلمون عند الاختلاف في حروف القرآن وقراءاته، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يكل تصحيحها إليهم، إن هذا إن صح فسيصل بنا إلى الدور المحال؛ إذ تكون صحة قراءتهم متوقفة على القراءة وفق المصاحف التي كتبها لهم عثمان، وصحة المصاحف وسلامتها من اللحن متوقفة على صحة قراءتهم، وهذا ما ننزه عنه أي عاقل فضلا عن عثمان رضي الله عنه. 2- إن هذين الأثرين يخالفان ما كان عليه عثمان رضي الله عنه من حفظه القرآن، وملازمة قراءته، ومدارسته، حتى صار في ذلك ممن يؤخذ عنهم القرآن، وقد حرص غاية الحرص على إحاطة كتابة المصاحف بسياج قوي من المحافظة على القرآن أن يتطرق إليه لحن أو تحريف أو تبديل وجعل من نفسه حارسا أمينا على كتّاب المصاحف في عهده، والمرجع عند أي اختلاف في كيفية الرسم فقد قال للرهط القرشيين: إذا اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش، وقد اختلفوا في {التَّابُوتُ} أيكتبونه بالتاء أم بالهاء ورفعوا الأمر إليه، فأمرهم أن يكتبوه بالتاء، فإذا كان هذا شأنه وشأنهم في حرف لا يتغير به المعنى، ولا يعتبر تحريفا ولا تبديلا لاستناده إلى الحروف التي نزل بها القرآن فكيف يعقل منه أن يرى في المصاحف لحنا ثم يقرهم عليه وإليك رواية أخرى تدل على مبلغ عنايته بالقرآن عند الكتابة. أخرج أبو عبيد، عن عبد الرحمن بن هانئ مولى عثمان قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف فأرسلني بكتف شاة إلى أبي بن كعب فيها {لم يتسن} وفيها {لا تبديل للخلق} وفيها {فأمهل الكافرين} فدعا بالدواة فمحا إحدى اللامين وكتب {لِخَلْقِ اللَّهِ} ومحا {فأمهل} وكتب {فَمَهِّلِ} وكتب {لَمْ يَتَسَنَّهْ} فألحق فيها الهاء، فهل يصح في العقول ممن هذا شأنه أن يرى لحنا في المصاحف ثم يقرهم عليه، ويدعه للعرب تصلحه ومن أحق بإصلاح اللحن والخطأ منه، وهو من هو في حفظ القرآن والحفاظ عليه. ولو جوزنا فرضا أن عثمان تساهل في إصلاح هذا أفيدعه جمهور المسلمين من المهاجرين والأنصار دون أن يصححوه وهم الذين لا يخشون في الحق لومة لائم، ولا يقرون على الباطل، ولو صحت هذه المقالة عن عثمان لأنكروا عليه غاية الإنكار، ولو أنكروا لاستفاض ونقل إلينا وأنى هو ولقد كانوا يعترضون عليه وعلى غيره فيما دون هذا، فما بالك بأمر يتعلق بالقرآن الكريم الحق أن هذا لا يصدقه إلا من ألغى عقله. 3- على فرض صحة هذين الأثرين فيمكن أن نؤولهما بما يتفق هو والصحيح المعروف عن عثمان في جمع القرآن، ونسخ المصاحف، وذلك بأن يحمل لفظ لحنا على معنى اللغة، ويكون المعنى أن في رسم القرآن وكتابته في المصاحف وجها في القراءة لا تلين به ألسنة العرب جميعا الآن، ولكنها لا تلبث أن تلين به ألسنتهم جميعا بالمرانة، وكثرة تلاوة القرآن بهذا الوجه. .الشبهة الثانية وجوابها: والجواب: إن هذه الرواية إن صحت فابن جبير لم يرد باللحن الخطأ وإنما أراد اللغة، وهو أحد معاني اللحن كما في القاموس، وغيره من كتب اللغة ولو كان يريد باللحن الخطأ لما قرأ به، وكيف يقرأ بحرف يرى أنه خطأ وقد قرئت هذه الكلمة بقراءتين سبعيتين؛ قرأ الجمهور بالنصب وقرأ غير الجمهور بالرفع والمقيمون الصلاة أما الرفع فظاهر، إذ هو معطوف على ما قبله، وأما النصب فوجهه النصب على المدح لبيان فضل الصلاة ومنزلتها من شرائع الدين، ولهذا الأسلوب شواهد كثيرة في لغة العرب، وقد عقد له سيبويه في الكتاب بابا فقال: هذا باب ما ينتصب على التعظيم، ومما أنشده: وإليك ما قاله إمام من أئمة العربية، قال الزمخشري في تفسيره ج 1 ص 397 عند تفسير هذه الآية: ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا في خط المصحف وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتتان وغبي عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذب المطاعن عنه، من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم، وخرقا يرفوه من يلحق بهم.
|